دعاء من رأى مبتلي
الصبر على البلاء جواد لا يكبو ، و جند لا يهزم ، و هو الحصن الحصين الذي يلوذ به المؤمن المبتلى عندما تصيبه بلايا الدنيا و همومها ، و النصر مع الصبر ، و الفرج مع الكرب ، و العسر مع العسر ، فالمسلم أمره كله له خير ، ان أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، و ان أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ، و الصبر في حق المسلم المبتلى واجب ، و الدرجة الأعلى منه الرضا وهي مستحبة لا ينالها الا أصحاب العزائم و المقدمات الصالحة .
فضل الصبر :
- الصبر سبب لمعية الله لعبده يقول الله تعالى ( واصبروا إن الله مع الصابرين ) .
- جعل الله سبحانه و تعالى الإمامة في الدين و العلم منوطة بالصابرين فقال تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) .
- اخبر الله سبحانه و تعالى أن الصابرين لا يضرهم كيد عدوهم وان كاد لهم و مكر بهم فقال تعالى : ( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعلمون محيط ) .
- الصبر هو مقدمة التمكين ، فالله يبتلى عبده ثم اذا ثبت العبد و صبر مكن الله له في الأرض و عوضه خيراً من بلائه ، كما جاء في قصة سيدنا يوسف عليه السلام فقال : ( إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) .
- الصبر سبب لهداية الله لعبده الصابر و رحمته لهم و صلاته سبحانه و تعالى عليهم فقال تعالى : ( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) .
- روى مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ ) .
- وروى مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) .
- روى مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ ” إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ” إِلا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ) .
موقف المؤمن من البلاء:
نزول البلاء بالمؤمن هي امتحان من الله تعالى لعبده ، و هي من علامات حب الله سبحانه و تعالى لمن ابتلاه ، و الابتلاء تمحيص للذنوب ، و تذكير العبد بربه ، و تنبيهه من الغفلة و البعد عن طريق الله ، و تذكيره بنعم الله السابغة عليه في الليل و النهار .
و المؤمن اذا ابتلاه ربه بأي نوع من البلايا و جب عليه أن يسترجع و يقول انا لله و انا اليه راجعون ، و قد جاء في الحديث الشريف عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله ” إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ” إلا أخلف الله له خيراً منها ) . قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها فأخلف اللهُ لي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم) .
و هناك أمور اذا تفكر فيها المبتلى هان عليه ابتلائه منها :
- ان ينظر العبد الى ما أصيب به فيرى أن الله قد أبقى عليه ما أكثر مما أخذه الله منه ، فان اصيب في عينه فقد أبقى الله له يدين و رجلين و أعضاء ، و ان اصيب في ولد فقد أبقى الله له أولاد آخرين أو عوضه بولد جديد ، و هكذا فكل مصيبة يبقى كا هو اكثر منها عند العبد .
- مما يقلل المصيبة على العبد أن ينظر الى أهل البلاء في الدنيا ، فالكل مبتلى ، و الكل لديه حسرات وابتلاءات ، فالأصل في العبد انه مبتلى ، و الأصل في الدنيا انها دار ابتلاء ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : لكل فرحة ترحة ، وما مليء بيت فرحاً إلا مليء ترحاً . وقال ابن سيرين : ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء .
- أن يعلم أن التشكي و الجزع لا يرد ما فقده بل يزيد من مصيبته ، فالصبر خير له في الدنيا و الآخرة .
- أن يعلم ان الجزع و التشكي يفرح العدو ، و يحزن الصديق ، و يضيع الأجر ، و يغضب الله سبحانه و تعالى ، و يسر الشيطان .
- أن يتمثل أجر الصابرين في الآخرة ، و ما اعد الله لهم من الأجر العظيم و المكانة العالية التي يحسدهم عليها العالمين في يوم الموقف العظيم ، وفي الترمذي مرفوعاً : ( يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء ) ، وقال بعض السلف : لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس .
- أن يعلم العبد أن الذي ابتلاه هو أرحم الراحمين ، و أحكم الحاكمين ، و هو أرحم به من نفسه ، و من أبيه و أمه ، و ما ابتلاه ليعذبه ، و لكن ابتلاه لمصلحته و ليرفع من قدره و درجته في الآخرة ، فما يصنع الله سبحانه و تعالى بعذابك وأنت من أنت في ملك الله ، فان عذابك لا يزيد في ملكه شئ سبحانه ، و لكنه سبحانه أعلم بمصلحة العبد من نفسه ، و اعلم بما ينفع و يصلحه .
دعاء من رأى مبتلى :
أرشدنا رسول الهه صلى الله عليه و سلم ، اذا رأى احدنا مبتلى ان يقول دعاء ، اذا قاله فانه لا يصيبه مثل ما أصاب ذلك المبتلى ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، لم يصبه ذلك البلاء) رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني. .
وفي حديث آخر(: إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش). رواه الترمذي، وحسنه الألباني .
و لكن ينبغي للعبد أن يقول ذلك الدعاء بصوت منخفض لا يسمعه صاحب البلاء ، حفاظاً على نفسيته ، و حتى لا يتسخط مقادير الله سبحانه و تعالى .