سلبيات وايجابيات العيش في الغربة

الأحوال الاقتصادية والعمل والدراسة وحالات أخرى كثيرة تضطر الإنسان للعيش خارج المكان الذ وُلد وتربى فيه، وأصبح الآن هناك رغبة نازعة نحو الخروج من مسقط الرأس والحياة في بلد آخر سواء كان أجنبي أو عربي، ذلك لوجود أحلام وأفكار وطاقات مكنونة بداخلهم تحتاج للبيئة والمجتمع الذي يشجعها على الخروج فيه، ولكن يجب قبل المضي في هذه الخطوة معرفة أنه هناك سلبيات وايجابيات العيش في الغربة ، وأن العيش خارج الوطن يمكن أن يعمل على تطوير الشخصية والتفكير ويزيد من التقدم نحو الأمام بخطوات ثابتة ولكنه له أيضا سلبيات يمكن أن تؤثر على الحالة النفسية للفرد وتتسبب له في مشاكل لا حصر لها.

ولا يمكن أن يكون هناك بيتا أو عائلة لم تمر بمصطلح الغربة والتواجد خارج الوطن، لكن لكل حالة تداعياتها وجوانبها وإجمالا تكون التجربة وطبيعتها هي المحدد الرئيسي للنتيجة النهائية من المرور بمصطلح الغربة.

سلبيات وايجابيات العيش في الغربة

سلبيات وايجابيات العيش في الغربة

أولا إيجابيات العيش في الغربة

  • تغيير أسلوب التفكير وتيقظ العقل

العيش خارج الوطن حالة جديدة تطرأ على الإنسان تتطلب منه تغيير أسلوب حياته وغالبا ما يكون هذا النوع من التغيير هو تغيير إيجابي حيث أن الحالة الروتينية التي يعيشها الإنسان دائما ما تجعل المخ في حالة ركود، ولأن التواجد خارج الوطن يتطلب إيجاد العديد من الحلول للعديد من الأشياء والمعوقات وغالبا ما يكون الشخص بمفرد، لذا يقوم بالتعرف على الطرق ويقوم بترقيم الشوارع ووسائل النقل، وبالإضافة إلى ذلك يفترض عليه الاعتياد على بعض العادات والأساسيات الخاصة بالمكان الجديد، وقد تكون هذه التغييرات أمر مرهق وشاق في مبتدأ الأمر وإنما تجعل الإنسان في حالة من الاستعداد والتأهب العقلي والفكري، وتنمي الإدراك وتعيد نشاط دائرة العقل والفكر من جديد.

  • الإبداع

هناك ارتباط وثيق بين الإبداع ومدى تحفيز العقل على العمل والتفكير، وحيث أن الحياة خارج الوطن تفرض على الإنسان العديد من الاستثناءات والتحديات والعواقب التي يجب أن يتخطاها حتى يستكمل خطته المستقبلية إذن يصبح العقل في حالة نشاط غير عادي، وتزداد المرونة المعرفية لديه والمرونة العصبية والتي تعمل على زيادة وتدفق الإبداع، وهنا يصبح الفرد قادرا على الوصول إلى العديد من الأفكار والخطط الجديدة على عقله وتفكيره، ويصبح في حالة إبداع لا إرادي للتأقلم مع الحياة المحيطة به، وحتى عندما يكون التواجد خارج الوطن هو أمر مؤقت فإن حالة الإبداع تستمر معه بعد عودته لوطنه.

  • التسامح والتعاطف مع الآخرين

عندما يخرج الإنسان ليعيش في مكان جديد خارج وطنه يجب عليه أن يتفاعل ويعيش بين أشخاص جدد عليه في كل الأماكن التي يفترض به التواجد فيها مثل العمل والمنزل، وقد تكون أنماط حياتهم غير مألوفة له وينتموا إلى جنس ودين مختلف عنه لكنه يجب عليه أن يتعامل معهم مباشرة وهنا تبدأ مشاركة المغترب لهم في حياتهم وثقافتهم المختلفة، والمشاركة تتطلب المزيد من التسامح، وسوف يزيد ذلك من الإحساس بالتعاطف وهو ما ينتج عنه تنمية وتطوير للعلاقات على المستوى الاجتماعي والعملي والفكري ويأخذ الإنسان إلى جانب آخر من التعامل مع المشاكل الشخصية عند عودته لوطنه بطريقة فعالة وإيجابية.

  • الشعور بالاستقلالية

عندما يتخذ الإنسان قرار بالخروج من الوطن فإنه يتعين عليه معرفة أنه سوف يعيش منفردا بدون عائلته التي يعتمد عليها وهنا سيستوجب عليه إدارة كل أمور حياته بمفرده كالأعمال المنزلية والدراسة والعمل وهنا يصبح نمط وأسلوب الحياة أكثر نشاطا عن ذي قبل ويثق الإنسان في قدراته ويشعر بالشجاعة والاستقلالية لمجرد قدرته على إدارة حياته بأكملها بدون أي مساعدة من الآخرين.

  • اكتشاف اهتمامات جديدة على المستوى الشخصي والمهني

عندما يكون الإنسان في وطنه يعيش نفس الحياة الروتينية المملة على مدار الوقت ولكن عندما يخرج من حدود وطنه ليعيش في مكان آخر، فإنه يجد نفسه أمام العديد من الأمور التي يمكنه أن يعيشها في ساعات يومه وسوف يحصل على خيارات جديدة بها مساحة أكبر وإمكانية أكبر للتفكير، واكتشاف ثقافات وعلوم وتواريخ جديدة جدا لم يسبق له التعرف عليها، وسوف تأخذه هذه المجالات إلى جوانب جديدة على المستوى المهني والشخصي وستزيد من خبرته وسوف تجذب انتباهه نحو سبل أخرى لم يكن ليتطرق إليها سابقا.

ثانيا سلبيات العيش خارج الوطن

  • فقدان الهوية

التواجد خارج الوطن لفترة طويلة يمكنه أن يدمر إحساس الإنسان بالهوية الأصلية له، وهو إحساس يزداد في التنامي مع طول الفترة التي يعيشها الإنسان خارج وطنه، ولن تتوقف هذه الحالة بعودة الفرد لإجازات وزيارات للوطن، حيث أن بعض المغتربين لا يمكنهم أن يتكيفوا مع الحياة في وطنهم الأصلي عند عودتهم بعد الغربة لفترات طويلة بسبب حدوث صدمة ثقافية عكسية وقد يصل الأمر إلى عودة المغترب لوطنه وعدم إمكانيته على استكمال حياته من حيث ابتعد عن الوطن، والأمر الأسوأ هو قبول بعض الموظفين لمهام خارج أوطانهم في محاولة منهم لتسريع وتيرة الحياة المهنية التي يعيشونها، ولكن عندما يعودوا إلى أوطانهم يجدوا أنفسهم يؤدون أدوارا لا تستغل كل قدراتهم المهنية وخبراتهم التي اكتسبوها في غربتهم.

  • الصدمة الثقافية المضادة

قد يتسبب الخروج من الوطن بتغيير جذري للفرد وعائلته بدرجة كبيرة، وبحالة قد يصعب توقعها من قبل وذلك على الرغم من وجود مهن ووظائف يمكن أن تكون دافعا للعودة إلى أرض الوطن بالأخص في الأحوال الاقتصادية المضطربة التي تدفع المغترب للعودة إلى الوطن حتى يصبح قريبا من أفراد أسرته.

  • نشأة أطفال الثقافة الثالثة

سلبيات وايجابيات العيش في الغربة

وضحت الدراسات الحديثة مفهوم جديد وهو ” طفل الثقافة الثالثة” وهو مصطلح يصف الطفل الذي يعيش أغلب سنوات طفولته وحياته خارج أرض الوطن، وهؤلاء الأطفال هم نتاج لأفراد دفعتهم الظروف الاقتصادية أو المهنية أو الدراسية للخروج من الوطن وتصبح لدى هؤلاء الأطفال انطباعات متناقضة ومتعددة عن موطنهم الأصلي، وهذه النوعية من الأطفال تتحدث لغات متعددة وتقوم بإقامة صداقات وعلاقات على مستوى دول متعددة ولا يمكن تحديد أفكارهم أو أولوياتهم، ويعيشوا مشتتين لا يعلموا إلى أي جانب ينتمون وإلى أي فكر واعتقاد يجب أن يتضامنوا وتتناقض أفكارهم وشخصيتهم لتنتج أفراد غير مكتملين عاطفيا.

وختاما يمكن أن نوضح بأن السفر للخارج والحياة الجديدة قد تكون دافعا لاكتشاف الذات والتنمية لمن تأتي لهم هذه الفرصة ويتمكن من الاستفادة منها قدر الإمكان، لكن لكل تجربة سلبياتها وإيجابياتها وفي حالة عدم إمكانية الإنسان على معرفة كل جوانب التجربة يجب أن يبحث ويتأنى ليعرف مدى إمكانيته على التأقلم مع الواقع الجديد الذي سيصبح جزءا منه وقد لا يمكنه التراجع عنه.

ويلخص الشاعر مريد البرغوثي تجربة الغربة والابتعاد عن الوطن في كلماته قائلا: ” الغربة كالموت، المرء يشعر أن الموت هو الشيء الوحيد الذي يحدث للآخرين. الغريب هو الشخص الذي يجدد إقامته، وهو الذي يملأ النماذج ويشتري الدمغات والطوابع، هو الذي عليه أن يقدّم البراهين والإثباتات”.

لذا يجب التعرف جيدا على سلبيات وايجابيات العيش في الغربة قبل الإقدام على خطوة السفر.

 

زر الذهاب إلى الأعلى