الحرص الزائد

هناك صفات تتطلب منا الأعتدال والتوسط، فأنعدمها تسبب الوقع في الكثير من المشاكل، وكذلك الأفراط بها، ومن هذه الأشياء الحرص، بالتأكيد الحرص من الصفات الهامة التي يجب ان يتحلى بها الشخص، فيجب ان يحرص على سلامته وسلامة من حوله وكذلك نظافته الشخصية، والحرص على أمواله و على ابناءه، ولكن عند الافراط في الشيئ يتحول إلى مرص، فالحرص الزائد يسبب أضرار أضعاف المنافع التي يسببها، فالحرص الزائد على الأموال يحول الشخص إلى شخص بخيل على نفسه ومن حوله، وكذلك الحرص الزائد على النظافة يحول الأمر إلى وسواس نظافة، لذلك نوصي دائما بالاعتدال في كل شيئ..

الحرص الزائد
الحرص الزائد

مفهوم الحرص في الأسلام بين المحمود والمذموم

الحرص صفه منها المذموم والمحمود، فحرص المؤمنين على عبادة الله ورضاءه وعلى تنفيذ جميع تعاليم وأركان الأسلام هذا من انواع الحرص المحمود، وذلك بالاستناد على الحديث الشريف عن ابي هريرة رضي الله عنه، قال ان الله سبحانه وتعالى سألأ ملائكته قائلا..

«ما يقول عبادي؟ قالوا: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، فيقول: هل رأوني؟، فيقولون: لا والله ما رأوك، فيقول: وكيف لو رأوني؟، يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وتحميداً وأكثر لك تسبيحاً. فيقول: فما يسألوني؟، قال: يسألونك الجنة، قال يقول: وهل رأوها؟، قال يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟، قال يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاُ وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة» .. وفي هذه الحالة الحرص الزائد والشديد محمود ومفيد جداً للأنسان ويصل به إلى الجنه.

أما الحرص المذموم، فلقد جسد في قول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة ” وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ” .. وهنا مثال على الحرص المضر الغير محمود .

لذلك يوصينا الله سبحانه وتعالى بالأعتدال في الحرص ، وان نستخدم عقولنا في التميز بين الأِشياء المضرة كمثل اليهود الذين كانوا يريدون الحياة فقط ولا يسعون للأخرة فهذا الحرص سبب لهم هلاك وخرجوهم من رحمة الله سبحانه وتعالي، والحرص المفيد الذي يريد الله سبحانه وتعالي الانسان ان يقوم به وهو يتمثل في الايمان و الالتزام بتعاليم الاسلام وتنفيذ اوامر الله سبحانه وتعالى ورسوله في الدنيا.

أمثلة مختلفة للحرص الزائد

أولاً: الحرص الزائد على النظافة

الله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال، فالحرص على النظافة الشخصية والعامة أمر مهم جداً، لان الأهمال في النظافة يسبب أمراض وأضرار وخيمة على الصحة، ويجعل الأخرين ينفرون منك، ولكن ماذا عن الحرص الزائد الذي يتحول إلى وسواس فيجعل الشخص يصاب بأجهاد نفسي وعقلي، فيتغلب عليه فكرة أن كل شيئ محيط به سوف يجعله يتلوث، وأنه غير مسموح لأي شيئ اخر أن يلمسه أو يقرب من جسده أو المكان الذي يعيش به، وبمجرد أن يمر شخص بجانبه ويتبادلان السلام بالايدي يبدأ في تطهير يده وتطهير الأِشياء التي احتك بها الشخص الاخر.

علاج الحرص الزائد على النظافة .. أولاً معرفة الأسباب والدوافع الداخلية التي تدفع هذا الشخص الحريص ل القيام بذلك، فبالتأكيد سوف تجد لديه مبرراته ودوافعه، مثلا الخوف الشديد من الأصابة بالأمراض والفيروسات، أو أنه تعرض إلى حدث أثر في شخصيته أو شخص مقرب منه تعرض إلى شيئ بسبب انعدام النظافة جعله يدخل في نوبة مرض مزمن، بعد التعرف على الأسباب والدوافع يسهل حل المشكلة، فاذا كان السبب مثلا الخوف من الأصابة بالأمراض والفيروسات يمكننا ان ننصحه بالاعتدال والتميز فليس كل شيئ يتسبب في أصابتنا بأمراض، وهكذا..

الحرص الزائد في النظافة
الحرص الزائد في النظافة

ثانياً: الحرص الزائد على الأبناء

جميع الأباء والأمهات لديهم شعور بالخوف الدائم على أبنائهم، ويسعون دائماً إلى حمايتهم وابعاد اي خطر عنهم، وهذا حرص وخوف طبيعي، ولكن الحرص الزائد يتمثل في منع الابن من أي شيئ بمفرده، ومن التعامل مع الاشخاص المحيطه به، واحباط محاولاته لأكتشاف ماحوله، وكذلك يبدأ بمرور الوقت بأخذ القرارات بدلاً منه في ابسط الاشياء حتى في اختيار طعامه المفضل أو ملابسه، وفي مرحله اخرى عند تقدمه في العمر قليلاً يمنع من اتخاذ اصحاب والتقرب منهم، فهم مقتنعيهم أنهم بمفردهم أصدقاء أولادهم ولا داعي لاخذ أي شخص صديق مقرب، وذلك عدم أقتناع منهم بأفكار ومعتقدات هذا الصديق والخوف على ابناءهم من السير معه، ويظل الأمر هكذا حتى يتحول إلى حرص مرضي، يسبب مشاكل نفسيه للأبناء فيما بعد.

يتحول الأبن إلى أنسان عديم الشخصية، ليس لديه أي قدرة على اتخاذ القرار، وعند التعرض إلى أي موقف يرجع إلى والده أو والدته لكي تتخذ القرار بدلاً منه، عندما يصبح شاب لا يجد أي صديق بجانبه، يظهر للأخرين شخص ضعيف ليس لديه شخصيه، من الممكن أن يدخل الطفل في حالة انعزال ويبتعد عن الاخرين وعن من حوله، ويرفض التعامل معهم.

علاج الحرص الزائد على الأبناء .. يتمثل في اعطائهم الحرية بعد توضيح الطريق الصحيح والطريق الخطأ، ونترك لهم الأختيار، ونتابعهم من بعيد، فان اخطأوا نجعلهم يرون العواقب بنفسهم، ومن ثم نبدأ في التدخل ونوضح لهم الأمر مراراً وتكراراً، فلا يوجد تعلم بدون الوقوع في الخطأ مرة واثنين، يجب ايضاً ان نتابع ابناءنا بشكل دائم بدون شعورهم بذلك ونترك لهم حرية اختيار الصديق، ولكن اذا وجدنا اختيارهم خاطئ وأن هذا الصديق يعد صديق سوء، هنا من الممكن ان نتدخل بشكل صريح وواضح ونأخذ قرار، ولكن اذا كان الصديق شخص جيد فما المانع من أن يكون لأبناءنا أصدقاء مقربين، اخيراً يجب أن نزرع بداخلهم تعاليم الدين الأسلامي فهذا هو الحل الصحيح، فسوف تجد الأبن يقيس كل شيئ برضاء الله ومدى قبوله من الناحية الدينية، اذا تمكنت من الوصول إلى هذه المرحلة مع ابنك فلا داعي للحرص الشديد والزائد ابداً.

الحرص الزائد على الابناء
الحرص الزائد على الابناء

ثالثاً: الحرص الزائد على مشاعر الاخرين

كثير من الأشخاص يحرصون بشكل مبالغ فيه على مشاعر الأشخاص التي أمامهم أثناء التعامل معهم، لدرجة تجعلهم يؤذون أنفسهم، فالحرص على مشاعر الاخرين أمر محمود ولكن عندما يكون الحرص زائد وبشكل مبالغ فيه، هنا يكون الأمر مذموم ومرفوض، لان هؤلاء الأشخاص يستحون أن يرفضوا أي طلب لأي شخص، حتى اذا كان فوق طاقتهم،ويسعون دائما إلى أرضاء الجميع، ولكن بمرور الوقت يتحول الأمر إلى شيئ سيئ جداً لان الاخرين أعتادوا منهم على تنفيذ جميع رغباتهم، فعند عدم القدرة على الموافقه على طلب ما ينفر منه الاخرين، ويتخذون موقف عدائي اتجاهم، ويبتعدون عنه، فالاعتدال في التعامل مع الاخرين هو الحل الأفضل، لأن هؤلاء الأشخاص بمرور الوقت يفتقدون سعادتهم ويدخلون في حالة أكتئاب اذا مثلاً لم ينجحوا في أرضاء الاخرين وكسب ودهم.

كيفية معالجة الحرص الزائد على مشاعر الاخرين.. في الحقيقة هو سلوك خاطئ جدا لا يجني منه صاحبه الا التعب والاكتئاب، لذلك ننصح باقتناع هؤلاء الأشخاص بأنهم لن يتمكنون ابداً من أرضاء جميع الأشخاص، فيجب ان نفعل مانستطيعه فقط، ولا نكلف أنفسنا بشيئ فوق قدرتها وتحملها،محاولة الثقة بالنفس بشكل أكبر والسعي لذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى