خاص24| مقتطفات من كلمة المطران عطا الله حنا في مؤتمر “الأخوة الإنسانية”

أكد رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس الشريف، المطران عطا الله حنا، أن تحقيق الأخوة الإنسانية يبدأ بالاعتراف بأن الناس كلهم متساوون، وكلهم خليقة الله الواحد الأحد، وكرامتهم هي منه والناس كلهم متساوون، والشعوب كلها كذلك، بمختلف أعراقها ودياناتها وحضاراتها. وأشار المطران عطا الله حنا في كلمته التي يلقيها اليوم الأحد خلال مشاركته في المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي يتطلق أعماله اليوم الأحد في أبوظبي، والتي ينفرد 24 بنشر مقتطفات منها، إلى أنه وأضاف: “ما زال في العالم شعوب مقهورة لن يكون هناك سلام، ولا يمكن تحقيق الأخوة الإنسانية، ما زال هناك فقراء ومحرومون لن يكون هنالك سلام ولا يمكن تحقيق الأخوة الإنسانية، وعالمنا مع الأسف مليء بالفقراء، وما زال هناك شعوب مظلومة، وما زال في القدس شعب يظلم شعباً آخر، والعالم يؤيد الظلم أو يعجز عن إزالته، ففي القدس ومن ثم في الإنسانية كلها طريق الأخوة الإنسانية يبقى متعثراً”.

ولفت إلى أنه على الرغم من الحروب الكثيرة التي مرت بالبشرية وما زالت تدمر البشرية، فقد ظلَّت فيها أيضاً نزعة نحو السلام والعدل والمساواة، مضيفاً: “خلقنا الله أخوة، الأخوة هي الأساس، ثم تفرقنا شعوباً ومللاً وأعراقاً وديانات وثقافات وحضارات، وفقدنا الأخوة في طرقنا المختلفة، وخلال سعينا في الأرض، حين أخذ كل واحد وكل شعب يطلب رزقه منفرداً عن أخيه، وأحياناً على حساب أخيه”.

وأوضح رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس الشريف، أن “عوامل كثيرة وأسباب كثيرة فرقت بين الشعوب وأججت بينها الحروب، واليوم نحن في حالة سلام وحرب معاً”.

وقال المطران عطا الله حنا: “نحن، في هذا المؤتمر، نمثِّل إنسانية واعية ناضجة تبحث عن العودة إلى الأخوة الأصلية، بالرغم من كل الواقع المرير الذي ما زلنا نعيشه، الحروب في منطقتنا ومخاوف الحروب فيها تفرض علينا البحث عن أوضاع جديدة تليق بالإنسان الذي خلقه الله ليكون لا قاتلاً ولا ظالمـاً ولا مستبداً بثروات الأرض، بل ليكون أخاً لأخيه يعرف طريق السلام ويعرف أن يتقاسم معه خيرات الأرض”.

وشدد رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس الشريف، على أهمية دور المنظمات الدولية والإنسانية، والمؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية، والشبيبة، في إعادة الشعوب إلى أخوتها الإنسانية، مؤكداً أن المسؤولين كذلك أولاً هم صانعو الحروب أنفسهم، وصانعو الأسلحة.

وتابع قائلاً: ” صناعة الأسلحة من كبرى الصناعات في عصرنا وفي الشعوب المتحضرة والمنادية بالسلام، هذا مجال لا بد من البدء به، حتى يصبح كل منادٍ بالسلام صادقاً وفاعلاً، ولو آمن صانعو الحرب بالأخوة البشرية، وبأولوية الإنسان، – أفراداً أو شعوباً- لتوقفت الحروب، ولأصبح تحقيق الأخوة الإنسانية أمراً ممكناً”.

ولفت إلى أن المصالح القومية والاقتصادية والسياسية وغيرها من المصالح هي التي تقود البشرية، كما رأى أن “المنظمات الدولية، هيئة الأمم وكل الهيئات المشتقة عنها، ما زالت عاجزة عن تحقيق السلام وعن القضاء على الحروب، والجوع والمظالم في شعوب كثيرة”.

وشدد على دور المسؤولين في تحقيق الأخوة الإنسانية، مشيراً إلى أن “عليهم أن يجدوا ميزاناً آخر لتوزيع ثروات الأرض يؤمن بمساواة كل إنسان لأخيه الإنسان، وبكرامة كل الشعوب وعدم إخضاع بعضها لمصلحة غيرها”.

ونوه بدور ظاهرة التطوع العالمي في تحقيق الأخوة الإنسانية الشاملة، حيث يضحي الفرد بعمله وزمن من حياته ليتجول في العالم يقدم خدماته حيثما أصيبت الإنسانية بجراح الحرب أو المرض أو المجاعة، كما هو حال المنظمات مثل “أطباء بلا حدود”، و”صحفيون بلا حدود”، و”متطوعون بلا حدود” وغيرها من المنظمات الانسانية في مختلف المجالات والحاجات حيث تمزَّقت الأخوة.

ولفت المطران عطا الله حنا إلى أنه مثل تلك المنظمات، المتطوعون الأفراد بصورة عامة، شباب وبالغون، يضحون بزمن من عمرهم ليخدموا ويرافقوا ويتعرفوا على الإنسانية في جميع أنحاء الأرض، فحياة هؤلاء شهادة أن الناس أخوة، مبيّناً أنه بالرغم من الاختلاف في الحضارة والدين وأسلوب الحياة واللغة، يحمل هؤلاء معهم “مودة” ويخفِّفون من وطأة ظاهرة الحروب ويؤكدون، بالرغم من قسوة الإنسان على الإنسان، أنّ الناس كلهم أخوة.

كما أشار إلى “دور المربين ومسؤوليتهم في تحقيق الأخوة الإنسانية، وأن المربّين كثيرين، وفي مقدِّمتِهم رجال الدين، في كل دين، لأنّ كلمتهم تجمع أو تفرّق، تصنع أخوة أو تصنع أعداء، كلمتهم تقول نحن أخوة أو نحن مختلفون، الله يقول لنا جميعاً أنتم أخوة، فرجل الدين لا بد من أن يقول هو أيضاً نحن أخوة، ولو اختلفت دياناتنا”.

وحذر المطران عطا الله حنا من أنه في الوقت الذي يمكن لرجل الدين أن يربي مؤمنين قادرين على بناء مجتمع متماسك وإنسانية متحابّة مسالمة، يمكن أن ينقض الأخوة البشرية تماماً، إن هو عجز عن رؤية نور الرحمة والمحبة الذي في دينه، وذلك في كل دين، لأن جوهر الدين، كل دين، يقوم بأمرين في كل الأديان، وهما عبادة الله، والرحمة أو المحبة لكل خلق الله.

وأردف قائلاً: “يُربى الإنسان إذاً، منذ طفولته وفي كل مراحل تعليمه على أنه إنسان وجميع الناس مثله، مهما اختلفوا عنه في الدين أو الحضارة أو العرق، تبدأ هذه التربية الشاملة، المؤسسة على إنسانية الإنسان، في العالم كله، فيصبح الإنسان قادراً على القضاء على الأجندات الحربية المختلفة، الخفية أو الظاهرة، لتبدأ طريق يسير عليها بشر يسعون نحو صلاح جميعهم، ونحو الأخوة الشاملة”.

وأضاف: “كلنا متساوون، وكلنا مسؤولون بعضنا عن بعض، الإنسانية بحاجة إلى تربية إنسانية شاملة، مخلصة في الوقت نفسه لكل دين وحضارة في كل بلد، فتدعو إلى تكملة مناهج التربية الإنسانية في كل مراحل التعليم في جميع دور العلم، لنستطيع أن نبدأ إنسانية جديدة وعالَماً جديداً”.

وأكد رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس الشريف، أن “الشباب مسؤولون، إن عرف الممسكون بمقدرات البشرية أن يربوا أجيالاً صاعدة جديدة تؤمن بالله وتؤمن بالإنسان أنه واحد في كرامته، مهما اختلفت الأديان والثقافات والحضارات، حتى يكون للشباب دور، لا بد من شباب جديد، ومثاليات جديدة، ورؤًى أساسية جديدة. كل واحد مرسخ في حضارته وفي دينه، ولكن كل الحضارات وكل الأديان، بكل خصوصياتها، ترسِّخ الأجيال الصاعدة في أصل واحد مشترك: أنَّنا متساوون”.

وشدد على أن الأخوة الإنسانية تتحقق إن ارتدّ صانعو الحرب وتجار الأسلحة وبدَّلوا طرقهم، وإن عدل المتصرِفون بثروات الشعوب فأشركوا في خيرات الأرض كل أبناء الأرض، وإن تبدَّلت العلاقات بين الشعوب، من علاقات “قوي” يفرض ما يرى ويريد، إلى علاقات إنسان يعامل كل إنسان وكل شعب بموجب المساواة الكاملة بين الشعوب، كما تتحقَّق الأخوة الإنسانية إن ترسَّخت تربية إنسانية شاملة في كل الشعوب والحضارات والأديان، أن الناس متساوون، ولا أحد أفضل من أحد، بل الكل أخوة متعاونون في بناء الأرض والإنسان.

وقال المطران عطا الله حنا: “العلاقات بين الشعوب اليوم مبنية على الخوف المتبادل، ومن ثم على التسلّح الوقائي، وعلى تخزين الطاقات الحربية، هذه حال لا تسمح بتحقيق الأخوة الشاملة، ولهذا يجب أن تتحول تحولاً كاملًا، يجب أن تنتقل من مراهنة على أن الإنسان الآخر هو عدو وهو شر، إلى مراهنة على أن الإنسان الآخر هو أخ وقادر على الصلاح، هذا التحول لم يتِم بعد، وقد تحققت الأخوة الإنسانية إلى حد بعيد في إطار مؤتمرنا هذا الذي يجمعنا اليوم لنفكر في إنسانيتنا ودعوتنا الأساسية لأن نكون أخوة، ولكن، في مناطق كثيرة من العالم لم تتحقّق بعد، ولأنّ الآخر ما زال عدواً، لم تقدر المنظمات العالمية للسلام أن تقوم بمهامها إلا بصورة جزئية، فلم تقدر أن تمنع لا الحروب، ولا الجوع ولا الفقر”.

أرض مقدسة
وأشار إلى أن “الحروب ما زالت كثيرة في أنحاء العالم، وكذلك الخلل الاقتصادي والمجاعات والأمراض، يكفي أن نشير إلى الشرق الأوسط، وإلى مركز الشرق الأوسط أي القدس وفلسطين، أرض مقدسة لها مكانتها في الديانات الموحدة، ودعوتها أن تكون أرض سلام ومانحة سلام للعالم، ولكنها حتى اليوم أرض حرب، ومنذ أكثر من مائة عام، والهيئات الدولية، هيئة الأمم وكل المؤسسات التابعة لها، تراقب، وتتواجد، وتقرر، ولكن لا قوة لها لأن تضع حدا لحالة الحرب فيها التي يفرضها الأقوياء”.

ووجه المطران عطا الله حنا عدة دعوات لتحقيق السلام والأخوة الإنسانية، قائلاً في ختام كلمته: “لنعمل معاً وسوياً من أجل أن تتحقق العدالة في فلسطين ويزول الاحتلال العنصري البغيض، لأنه بغياب العدالة لا يمكن ان يتحقق السلام، والقضية الفلسطينية هي مفتاح السلام في منطقتنا وفي عالمنا، ولنعمل معاً وسوياً من أجل السلام في سوريا الجريحة متضامنين مع إخوتنا في الإنسانية في العراق وليبيا، ومطالبين أيضاً بأن تتوقف الحرب العبثية التي تدمر اليمن، كما أننا نتضامن مع كافة ضحايا الحروب والإرهاب والعنف والعنصرية في أي مكان في هذا العالم”.

واختتم رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس الشريف كلمته قائلاً: “سلام القدس المدينة التي اختارها الله وقدّسها له، ولتكون مدينة صلاة وفداء للبشرية، سلامها هو بداية تحقيق الأخوة الإنسانية الشاملة، واستمرار الحرب فيها استمرار لبشرية متقاتلة وقاتلة، ومن ثم واجب الإنسانية اليوم أن تخرج من سلطان الموت الذي تعيشه إلى الحياة الوافرة والأخوة الشاملة”.

زر الذهاب إلى الأعلى