معرض “إلهام” في باريس يكشف عن علاقات فنية وثيقة بين المسلمين والمسيحيين

يواصل معهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية، ولغاية 14 يناير (كانون ثاني) 2018، تنظيم معرضه “إلهام” الذي يتناول تاريخ المسيحيين في الشرق الأوسط على مدى 2000 عام، منذ ولادة المسيحية حتى يومنا هذا، مروراً بالفتح الإسلامي وعصر النهضة، في حوار غني مرئي بين الماضي والحاضر والمستقبل. ويكشف المعرض الذي تمّ افتتاحه أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، أنّ كنائس الشرق قد احتفظت بخصوصيات طقوسها الدينية بعد ظهور الإسلام.

ويضم روائع من الفن الإسلامي أنجزت بأسلوب حرفي مسيحي، تؤكد على العلاقات الفنية الوثيقة التي تميّزت بين المسلمين والمسيحيين آنذاك.

ويسعى المعرض من ضمن أهدافه لإبراز التفاعل الثقافي القديم بين المسلمين والمسيحيين، من خلال المعروضات المختلفة، ومنها زجاجة مزيّنة بمشاهد من الحياة في الأديرة على الطريقة الإسلامية، تعود إلى القرن الـ13 في سوريا.

ويروي المعرض كيف توجهت أوروبا تدريجياً نحو المسيحيين في العالم العربي الذين كانوا مطلوبين فيها لتعليم اللغة العربية، وذلك منذ بداية القرن الـ15، حيث تمّ توجيه الدعوة حينها إلى مسيحيين عرب لتعليم اللغة العربية في الكليات الرئيسة التابعة للقصور الملكية الأوروبية.

يُنظم المعرض بتعاون وثيق مع ممثلي مختلف الطوائف المسيحية، حيث يعرض لقطع أثرية أساسية من التراث المسيحي الشرقي.

تنوع كبير
ويتيح الفرصة لفهم المكانة التي يشغلها الدين المسيحي في الشرق، وكذلك التنوع الكبير في الأشكال التي اتخذها، مما تجلى في تعددية الكنائس والقديسين والممارسات الطقسية والتقاليد والأماكن.

وأكدت سيلين غولين – زائرة فرنسية – أهمية المعرض بالنسبة للأوربيين، حيث أن تفاصيل المسيحية الشرقية مازالت مجهولة أو غير حقيقية في الغرب لدرجة كبيرة.

مكون حضاري 
ويرى ممثل الجهة المنظمة، باسكال غولنيتش، أن المسيحيين في الشرق ليسوا كما يتم تصويرهم أولئك المضطهدين، أو المهاجرين الذين يلقون الحماية من الغرب وحسب، بل إن المسيحية في الشرق هي مكون حضاري هام في العالم العربي.. ولا بد من التذكير دوماً بأن المسيحية ظهرت في الشرق، في القدس، ثم انطلقت منها إلى العالم.

أما دوبان فريدريك – زائر فرنسي – فقد شدد على أهمية المعرض في إبراز الثراء الديني والحضاري لمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة في هذه الظروف التي أساءت للعالم الإسلامي، حيث أن التفاعل والتعايش بين مختلف الأديان ممكن في كل زمان ومكان.

ومن جهتها أعربت سارة رملي – مُقيمة عربية – عن سعادتها بتنظيم هكذا معارض، وإن أبدت تحفظها لعدم شمولية تاريخ المعرض لكافة الدول العربية، وإن كان حجم الطوائف المسيحية فيها صغير نسبياً.

يتطرق المعرض لثقافة المجتمعات المسيحية في كل من مصر والأردن والعراق ولبنان وسوريا والأراضي المقدسة. وينتهي مساره بالتعرف على حيوية الكنائس في الوقت الراهن برغم التغيرات السياسية التي عاشها العالم العربي في الفترة الأخيرة، ويدعو لضرورة حماية هذا التراث المسيحي الشرقي الغني.

المعرض يبرز بشكل واضح أهمية ترجمة ونقل النصوص المسيحية الرئيسة، وذلك من خلال إطلاع الزوار على مخطوطات باللغات اليونانية والسريانية والقبطية والعربية، مكتوبة في الفترة ما بين القرن الخامس إلى الـ14 في سوريا والعراق ومصر.

يحتوي المعرض على قطع أثرية توضح ثراء الكنائس في العالم العربي مثل قطع فسيفساء من الكنائس الأولى في فلسطين والأردن وسوريا، ورسوم وجوه الرهبان الأقباط من دير مصري في باويط، مسلات وتذكارات من الحج مع صور القديس مينا والقديس سمعان والقديسة تقلا، كؤوس وأطباق فضية من كنوز الكنائس السورية.

وكذلك الكثير من القطع الأثرية المتميزة التي تلقي الضوء على المحيط الثقافي والسياسي الذي ولدت فيه المسيحية، وتذكر بالأسس التاريخية والممارسات المعاصرة.

يُشار إلى أن جزيرة صير بني ياس في إمارة أبوظبي تضم الموقع الأثري المسيحي الوحيد المكتشف حتى اليوم في دولة الإمارات، ويعود إلى القرن السابع الميلادي، ويُعد من المواقع التاريخية ذات الأهمية الكبيرة، إذ يلقي الضوء على المجموعات البشرية التي استوطنت الجزيرة العربية منذ آلاف السنين.

ويعتقد العلماء أن الدير المسيحي المكتشف في صير بني ياس بُني في القرن السابع الميلادي من قبل كنيسة الشرق، المعروفة أيضاً باسم الكنيسة السريانية الشرقية. ويضم الموقع مكتشفات أثرية ثمينة منها أنواع مختلفة من الفخاريات، إضافة إلى الزجاجيات والأواني المستخدمة في الاحتفالات والشعائر الكنسية، وقطع من الجص المزخرف بعناية.

ويقول باحثو الآثار إنّ جزيرة صير بني ياس ظلت مأهولة بالسكان على مدى أكثر من 7500 عام، وهناك العديد من الدلائل الحضارية حول ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى