أرطبون العرب هو الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه، له من القصص البطولية الكثير، يظهر ذلك جليا بالمعارك التي خاضها أثناء فتوحاته الإسلامية، حيث اشتهر بالدهاء وحسن التصرف بأصعب المواقف، حتى لقبه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بـ “أرطبون العرب”. فما هي قصة عمرو بن العاص؟ ولماذا سمي بهذا اللقب؟

مسحد عمرو بن العاص

نسب عمرو بن العاص

يعود نسب عمرو بن العاص إلى كعب بن لؤي وهم من قبيلة قريش، وكانوا يعيشون في مكة المكرمة، وقد كانت لهم مكانة رفيعة في عصر الجاهلية وبعد الإسلام، حيث يتمتعون بالسمعة الطيبة، وكان يُطلب منهم الاستشارة والاحتكام في العديد من الأمور التي تخص حياتهم. وقد كانت تُنسب لهم مهام الرئاسة على الأموال التي تردهم من الآلهة (في الجاهلية).

كان العاص بن وائل والد الصحابي الجليل، يعمل في حقل التجارة وكان من أغنياء وسادة قريش آنذاك، وقد كان له العديد من الإنجازات، فحصل على تقدير واحترام عموم القبائل. أما والدته فكانت سبية في سوق عكاظ حيث تم بيعها لأكثر من مرة إلى أن اشتراها العاصي بن وائل، وقد لُقّبت بـ “النابغة”، وتعود أصولها إلى قبيلة عنزة.

حياته قبل الإسلام

ولد عمرو بن العاص في عام 576، كان يتمتع بحياة مترفة بسبب غنى والده التاجر، وقد كان في بداية حياته يتميز بفصاحة اللسان ورجاحة العقل، وله قدرة على الإثبات بالحجة والإقناع كبيرة، يتمتع عمرو بن العاص بجسم ببنية قوية، وكان مشهورا بمهارته في فن القتال بالسيف وبالفروسية. له العديد من الهوايات لعل أشهرها حبه للشعر.

بدأ حياته العملية في قطاع التجارة، وذلك أكسبه العديد من الخبرات حول كيفية التعامل مع الناس، وكان شغوفا بمعرفة كل ما يدور حوله من أمور البلاد التي كان يتاجر معها، وهذا ما ساعد أهل قريش بأن يجعلوها رسولا لقريش مع عبد الله بن أبي ربيعة إلى ملك الحبشة النجاشي، حيث طولب بأن يعمل على إرجاع المسلمين المهاجرين إلى الحبشة بسبب بطش قريش وظلمهم. وقد قام النجاشي بتنظيم مقابلة تضم عمرو بن العاص مع عبد الله بن أبي ربيعة من جهة، وجعفر بن أبي طالب الذي كان يتحدث باسم المهاجرين، وحاول عمرو بن العاص إقناع النجاشي بطرد المهاجرين من بلاده إلا أنه أخفق في محاولاته. وعلى الرغم من فشل اللقاء، إلا أنه ترك في نفس عمرو بن العاص الأثر الكبير، لما رآه من قوة إيمان المسلمين بعقيدتهم الإسلامية، ولمس مدى حبهم لبعضهم البعض.

إسلام عمرو بن العاص

بعد عودة عمرو بن العاص من الحبشة إلى مكة ليخبر قبيلته برفض النجاشي طرد المسلمين، بدأ يهتم بأحوالهم في كل من مكة والمدينة، ويتتبع أخبارهم عن كثب. وفي يوم من الأيام ذهب برفقة خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة في سنة 8 هجرية إلى رسول الله صلى الله عليه والسلم، فأعلنوا ثلاثتهم إسلامهم أمام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وقد قال رسول الله عن عمرو بن العاص حينها “أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص”، وقد لمس نبي الله ما يتميز به عمرو من ذكاء وحسن في التصرف، وباعتباره من الجنود العساكر المتميزين، أسند إليه مهمة سرية ذات السلاسل، ولم يخب ظن الرسول عليه الصلاة والسلام في رأيه عن عمرو بن العاص، حيث عاد بعد تحقيق هدفه، وتوالت الأعمال التي أسندها إليه صلى الله عليه وسلم وكان دائما ما ينجح بتكليفاته.

الفتوحات الإسلامية

أرطبون العرب

أمر الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه عمرو بن العاص لقيادة الجيش لفتح الشام، حيث أمره بأن يذهل إلى فلسطين لتحريرها من سلطة الروم التي كان يقود جيشها القائد العسكري الرومي أرتيون وقدا كان يلقب من قبل العرب بـ “أرطبون”، حيث كان يُشهد له بالدهاء والجرأة، وكانت مدينة أجنادين مركزا لقيادة جيشه، وقد كوّن أرتيون حشودا كبيرة من الجنود حول بيت المقدس والرملة وغزة.

وعندما علم عمرو بن العاص بهذا الحشد الكبير تخوف من الهزيمة، فأرسل إلى الخليفة عمر بن الخطاب رسالة ليسأله ما يمكن فعله، فرد عليه الخليفة عمر بهذه الكلمات “رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب، فانظروا عما تنفرج” قاصدا بذلك أن يقوي من عزيمة عمرو بن العاص ويشجعه على المواصلة لتحقيق الهدف واصفا إياه بأنه أكثر دهاءً من أرطبون الروم، وواثقا بأن عمرو بن العاص سيكون أهلا للمهمة.

أرسل عمرو بن العاص كل من علقمة بن حكيم لمقاتلة أهل إيليا، وأبو أيوب المالكي لقتال أهل الرملة، وفي تلك الأثناء خطرت له خطة تظهر مدى دهائه وذكائه، حيث ذهب بنفسه إلى أرتيون على أنه رسول مُرسل من قبل عمرو، ولكن أرتيون بدأ الشك يدخل إلى قلبه اتجاهه فتوقع أن يكون هو نفسه عمرو أو أحد مستشاريه، فقرر قتله.

قام أرتيون بالنداء إلى أحد حراسه، وأمر بمراقبة الرسول (عمرو بن العاص) ثم قتله، إلا أن عمرو بن العاص كان أكثر دهاءً منه فتنبه إلى خطة أرتيون، وحينها قال لأرتيون، فأوهمه أنه واحدً من مستشاريه الخليفة عمرو بن الخطاب، وأخبره بأنه سيأتي ببقية المستشارين.

فوجد أرتيون بأن هذه فرصة لن تكرر حيث أنه سيتمكن من الإطاحة بجميع مستشارين عمر بن الخطاب، فأجابه بموافقته على الاقتراح معتقدا بأنه سيأتي ببقية المستشارين برفقة الحارس الذي أرسله لقتل عمرو. وبهذا نجى عمرو بن العاص من قبضة أرتيون، وعندما علم الأخير بخطة الداهية عمرو بن العاص قال لرجاله “خدعني الرجل، هذا والله أدهى العرب”.

وبدلك، استطاع أرطبون العرب هزيمة الروم في معركة أجنادين على الرغم من قلة التكافؤ بين قوى المسلمين وقوى الروم، حيث أظهر عمرو شجاعته وبسالته أثناء المعركة. ومنذ ذلك الحين أصبح لقب “أرطبون العرب” تشار إلى الصحابي الجليل عمرو بن العاص.

فتح دمشق

ازدادت شهرة عمرو بن العاص في معركة اليرموك، حيث استطاع بمشاركة خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح، حيث توجه عمرون بن العاص إلى باب الفراديس في دمشق، وتوجه خالد بن الوليد إلى الباب الشرقي، بينما توجه أبو عبيدة إلى باب الجابية، فدارت المعركة التي أظهرت قوة عمرو بن العاص في تحرير دمشق، مما ازداد احترام الجنود وتقديرهم له وإيمانهم بقدراته الكبيرة. وقد استكمل عمرو بن العاص فتوحاته لتشمل بقية المدن الفلسطينية حيث فتح غزة، نابلس، سبسطية، يافا، بيت جبرين، عمواس، ورفح.

عمرو بن العاص وفتح مصر

من أشهر الإنجازات التي قام بها عمرو بن العاص، دوره العظيم في فتح مصر، حيث أنه استطاع إقناع الخليفة عمرو بن الخطاب رضي الله عنه بإرسال جيوش لفتح البلاد، وبعد أن قام بحشد الجنود توجه إلى مصر من فلسطين وقام فتحها بعد عدة معارك ضارية انتصر فيها ضد الروم، ففتح مصر وأصبح واليا عليها، وقد كان له العديد من الإنجازات المعمارية فيها، لعل أشهرها بناء مسجد سمي باسمه، وإنشاء مدينة الفسطاط التي اتخذها عاصمة لولايته.

مسجد عمرو بن العاص، من الداخل

وفاته

توفي الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه بتاريخ 6 يناير من عام 682 ميلادية، عن عمر يناهز التسعين سنة، وقد تم دفنه في مصر بمدينة الفسطاط المدينة التي أنشأها أثناء ولايته للبلاد، ومازالت قائمة حتى عصرنا الحالي.

أرطبون العرب لم يكن هذا اللقب الوحيد الذي لُقب به عمرو بن العاص، فصفاته التي كانت تميزه عن غيره من القادة جعلته يُلقب بداهية العرب أيضا لشدة ذكائه وسرعة بديهته، ولم يكن قائدا مغوارا فقط، بل كان أيضا رحيما بالضعفاء، يمد لهم يد العون.

شاركها.