مدينة هون في ليبيا

مدينة هون إحدى المدن الليبية العريقة، تقع في وسط ليبيا شمال إقليم فزان، لها أهمية تاريخية وسياحية كبيرة في الوطن العربي، تتميز مدينة هون بالمناظر الطبيعية الخلابة حيث أنها تمتلئ بالمساحات الخضراء وأشجار النخيل وعيون الماء الطبيعية. تعتبر مدينة هون منبع للثقافة والعلم، لإنجابها الكثير من العلماء والمثقفين على مدار التاريخ. فيما يلي التفاصيل الكاملة حول تاريخ المدينة، موقعها الجغرافي، وأهميتها الاقتصادية والسياحية.

موقع مدينة هون

تتميز مدينة هون بموقعها الجغرافي الذي يتوسط شعبية الجفرة وهي منطقة واحات رائعة الجمال تقع في قلب ليبيا، وبصورة أدق جغرافياً فإنها تقع عند خط الطول 16 من الجهة الشرقية وخط العرض 29 عند الجهة الشمالية، بينما ترتفع عن ساحل البحر المتوسط حوالي 250 كم.

الطبيعة الجغرافية والمناخ

تقع مدينة هون وسط طبيعة سهلية شبه منبسطة يحيط بها سلسلة جبال السوداء، وتعتبر من أجمل الواحات في ليبيا حيث تكثر بها أشجار النخيل وعيون المياه الجوفية الضخمة، مما يجعلها تشتهر بأجود أنواع التمور التي تقوم بتصديرها.

المناخ

يمتاز مناخ مدينة هون بأنه صحراوي وجاف، حيث تلغ درجات الحرارة العظمى في فصل الصيف أربعين درجة مئوية، وعلى الرغم من ذلك يسود المدينة أجواءً لطيفة في فترة المساء وقلة الرطوبة فيها، بينما تبلغ درجات الحرارة في فصل الشتاء 25 درجة مئوية تقريبا، وفي بعض الأحيان تصل برودة الشتاء إلى حد تساقط الثلوج، أما فصل الخريف فهو الأفضل في المدينة، حيث يسوده أجواء معتدلة مما يجعله أكثر الفصول ازدحاما بالسائحين.

تاريخ

التسمية

ذكر المؤرخون أن اسم هون يعود إلى السهل لأنه هين بحسب ما ورد في القرآن الكريم، وكلمة هون بفتح الهاء تعني السكينة أو الوقار، بينما جاء بمعجم البلدان الليبية للشيخ الطاهر الزاوي، أن هون هي واحة متسعة المساحة، يُعرف عن سكانها قديما بأنهم كانوا ينعمون برفاهية العيش، وذلك للمهارات الحرفية التي كانوا يمتهنونها مثل صناعة الدبغ والجلود، والتطريز بالحرير. وقد ذكر مؤرخون بأن اسم المدينة يعود إلى قبيلة الهون بن خيمة بن مدركة بن الياس بن مضر.

هون الحويلة

مرت هون بأحداث تاريخية غيرت من مجراها تماما، حيث أسماها البكري بهون الحويلة وهي مدينة تقع في الجهة الجنوبية الغربية من مدينة مسكان وقام بتأسيسها خلف الله محمد المناري السلمي. وقد وصفها الرحالة جون ليون في عام 1818 بأن تحتوي على ثلاث أبواب رئيسية، وقلعة كبيرة، ويحيط بها العديد من الحدائق والبساتين على شكل دائري منتظم، كما قال بأن سكانها يتسمون بالطيبة والأخلاق الحميدة.

هون القديمة

في عام 1852 تعرضت هون الحويلة إلى ظاهرة جغرافية وهي حف الرمال أدت إلى دمار البساتين مما أدى إلى هجرة العديد من سكانها. وفي منتصف القرن التاسع عشر، تم إعادة إنشاء المدينة لتتحول من هون الحويلة إلى هون القديمة، وقد حرص السكان على بنائها بنفس طريقة بناء هون الحويلة حيث أحيطت بسور كبير يضم أربع أبواب رئيسية، وهي باب الحاج محمد في الجنوب، باب الحاج حمد في الشمال، باب الأبطيرش في الشرق، وباب الغنم في الشمال الشرقي؛ كما يوجد مدخلان هما مدخل خوخة آل الحلو في الغرب، وخوخة عكاشة في الشرق.

كانت الهون القديمة في تلك الفترة مقسمة إلى أربع أحياء كانت تعرف باسم الريع، وفي كل ريع منها مساجد وزوايا كانت بمثابة منارات للعلم، ومن أشهر تلك المساجد، مسجد العتيق الذي يقع في وسط الهون من الجهة الشمالية، وجامع بن عمران أو الجامع الصغير يقع في الجهة الشمالية الغربية، بينما يقع جامع عبد الجليل بالريع الجنوبي من الناحية الشرقية، أما مسجد غميض فيقع في الريع الشمالي من الجهة الشرقية. أما أشهر الزوايا فيها فهي الزاوية القادرية وكانت تعرف أيضا باسم المدرسة القادرية التي تقع في الريع الجنوبي من الجهة الشرقية، والزاوية الأسمرية تقع في الريع الجنوبي من الجهة الغربية، وهناك أيضا زاوية بن عيسى أو الزاوية العيساوية التي تقع في الريع الشمالي من الجهة الغربية، بينما تقع الزاوية السنوسية في ذات الريع.

الاستعمار الإيطالي لمدينة هون

تعرضت مدينة هون لهجمة الاستعمار الإيطالي، وقد شهد لأهالي المدينة مواقف بطولية ومشرفة للتصدي للعدوان الإيطالي في أكثر من أربعين معركة كان أشهرها معركة عافية التي وقعت في عام 1928، والتي قدم خلالها الأهالي أرواحهم فداءً للوطن، حيث أُعدم حوالي 19 مقاتلا من خيرة الرجال، وقام الاحتلال الإيطالي بإجلاء الأهالي من مدينة هون إلى المدن الساحلية في عام 1929 حوالي عامين كاملين، وانتشر الإيطاليون في المدينة حتى أصبحت أعدادهم وفقا لإحصاء عام 1939 حوالي 35 ألف نسمة، وقد كان من بينهم الرسام العالمي ماريو شيفانو الذي ولد في هون. وقد غادر الإيطاليون المدينة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

هون الحديثة

تتميز مدينة هون الحديثة بشبكات طرق متعددة ترتبط بينها وبين المدن الليبية الأخرى، حيث أنها تبعد عن مدينة طرابلس حوالي 600 كم، وعن مدينتي سوكنة وودان حوالي 20 كم، ويوجد بين هون وطرابلس وبنغازي خط طيران يسير بشكل منتظم، أما بقية المدن الليبية فبالإمكان الوصول إليها بواسطة خطوط الحافلات السريعة.

كسائر المدن الليبية، فإن مدينة هون الحديثة الآن تضم العديد من الخدمات الأساسية التي تساعد السكان وتسهل لهم حياتهم، مثل توافر أحدث شبكات الماء والكهرباء والهواتف، ويتوفر بها المؤسسات التعليمية بمختلف المراحل الدراسية، إضافة إلى الخدمات الصحية التي تتميز بالجودة العالية، إضافة إلى الأسواق التجارية من أرقى المحلات المحلية والعالمية. ويمكننا القول بأن مدينة هون الحديثة تشهد في عصرنا الحالية نهضة اقتصادية وعمرانية وصناعية تجعلها من أهم المدن الليبية، وقد أصبح عدد سكانها الحاليين وفقا لآخر الإحصائيات أكثر من ثلاثين ألف نسمة.

الاقتصاد والصناعة

تشهد مدينة هون حاليا نقلة نوعية في المجال الاقتصادي لما تحتويه من خيرات الطبيعة مثل أشجار النخيل التي يعتمد عليها سكان المدينة في سد احتياجاتهم اليومية وتصدير ما هو فائض إلى الخارج مما يؤدي إلى زيادة الدخل القومي في المدينة، كما يتميز سكانها بالعديد من الحرف والصناعات التراثية التي من شأنها أن تكون مصدرا هاما من مصادر الدخل حيث يتهافت عليها السائحين في الأزقة والزوايا لشراء كل ما يتعلق بتراث المدينة، ومن ضمن الحرف الذي يتقنها السكان ما يلي: –

  • الصناعات الجلدية والدبغ، مثل جلود الماشية، الأغنام، الإبل والماعز.
  • الصناعات الفخارية، مثل صناعة الأدوات والمعدات الخاصة بالطهي وغيرها من الصناعات الفخارية.
  • صناعة الحديد، حيث يشتهر السكان بصناعة معدات الزراعة والبناء اللازمة.
  • صناعة الحجارة، كقطع الرشاد وكل ما يتعلق بالطوب المستخدم في البناء.
  • يشتهر سكان مدينة الهون بصناعة الجير البلدي حيث يستخدم في البناء والزراعة.
  • الغزل والنسيج، من أكثر الصناعات التي يشتهر بها سكان المدينة، حيث الملابس والألحفة وغيرها.
  • صناعة الفضيات والحلى والنقش عليها.
  • التطريز وبالأخص تطريز الحرير والملبوسات.
  • صناعة المواد الغذائية لعل أشهرها التمر، والخل وتجفيف الخضراوات والفواكه.

مدينة هون الليبية، لها قيمة ثقافية وعلمية وعريقة، حيث أنها أنجبت العديد من الأعلام والشخصيات البارزة أمثال الشيخ محمد محمود الشنقيطي، الشيخ عمران بن بركة، العلامة الفقيه عبد الرحمن الخازمي، وغيره من علماء الدين والمعرفة. ولذلك فهي مدينة تستحق تسليط الضوء عليها لجمال وسحر مناظرها الطبيعية الخلابة ولاعتبارها منبرا للثقافة. فلا تتردد في زيارتها والتعرف على معالمها التراثية، ويُنصح بزيارتها في فصل الخريف للمشاركة في فعاليات مهرجان الخريف الدولي التي تشتهر به المدينة.

زر الذهاب إلى الأعلى