فضل المعلم السعودي
تعجز الحروف عن التّعبير وتتوه الكلمات على السّطور عندما يسألني شخصٌ عن فضل المعلّم، فما من عبارات مدحٍ ولا قصائد شكرٍ تفي حق هذا الشّخص الّذي كرّس أغلب أوقاته لينقل طلّابه وتلاميذه من ظلمة الجهل إلى نور العلم والمعرفة، ليمسي في آخر نهاره متعباً منهكاً منتظراً بشوقٍ فجر يومٍ جديد يبني به جيلاً واعياً متعلّماً قادراً على التّمييز بين الصّواب والخطأ.
فما نحن بفاعلين لنردّ جميل فضل المعلّم علينا؟ هل ننسى فضله علينا؟ أم ننسى ما علّمنا إيّاه بشغفٍ وحبٍّ طوال هذه السّنين؟ أم نتجاهل كلّ القيم والآداب والأخلاق الّتي علّمنا إياها جاعلاً نفسه قدوةً لها؟ كلّا وألف كلّا، فردّنا للجميل يكون بالتّقيّد بما علّمنا إيّاه وبالاستفادة من المعلومات الّتي رسّخها في أذهاننا لنصبح أطبّاء ومهندسين ومبرمجين ومعلّمي ومربّي أجيال المستقبل، لننقل القادم من الجيّد إلى الأفضل، ولنصنع عالماً مليئاً بالخير وخالياً من الفقر والبؤس اللّذين يصنعهما الجهل.

كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته:

قُم للمعلمِ وفّهِ التبجيلا
كاد المعلمُ أن يكونَ رسولا
أعَلِمتَ أشرفَ او أجل من الذي
يبني ويُنشئُ أنفساً وعقولا
المعلّم يترك دفء بيته في الشّتاء وحبّ عائلته في وقت الشّقاء لينير درب طلّابه، ويتحمّل شقاوة طلّابه في سبيل نشر العلم وإتمام رسالته، فنعم الرّسالة هي رسالة العلم، حيث إن العلم يبني الجسور والبيوت وحتّى ناطحات السّحاب، وهو الّذي يداوي الجروح والأمراض والمآسي.
هو المعلّم حامل أعظم رسالة متمثّلاً بأعظم الخلق رسولنا الكريم محمّد صلّى الله عليه وسلّم، الّذي لم يستسلم ولم يفقد الأمل قط في قومه وخلائق ربّه، والّذي اخُتير من بين الخلائق كلّها ليحمل أروع رسالة ويعلّم غيره، فالمعلّم يقتدي بالرّسول حين يكدّ ويتعب من أجل توصيل المعلومة الّتي قد تكون سبيل النّجاة الوحيد من واقعنا المظلم.
ما زالت الكلمات تائهةً في بحر السّطور تبحث عن ما تقوله للمعلّم، ذلك المنير لدروب الظّلام، فمن أعظم من شخصٍ يحاول بجدٍّ ودأب أن ينشر ما بجعبته من معلوماتٍ وخبايا من دون أن يسأم، أو أن يملّ، أو أن يقف أمام العقبات الكثيرة الّتي تواجهه في زمننا هذا.
نحن في زمنٍ ننسى فيه جميل غيرنا علينا ولكن هل المعلّم كغيره؟ من غيره تتشقّق يداه من الطّباشير ويحلّ المسائل مئات بل ربّما حتّى آلاف المرّات ليستوعبها طلّابه؟ ومن غيره يتغيّر صوته وتتأذّى حباله الصّوتيّة مردّداً بيت الشّعر، أو آيات القرآن بأعذب صوتٍ وبالتّجويد ليكون قد أدّى واجبه على أكمل وجه؟ ومن غيره يقضي السّاعات واقفاً على قدميه اللتين قد تقرّحتا من التّعب؟ فشكراً يا معلّمي، شكراً. كاد المعلم أن يكون رسولاً مقولة مشهورة ولها الكثير من المعاني الجميلة عمن له الفضل في إطلاق شرارة المعرفة في عقولنا، ولمن زرع زهور الثقة في طريقنا، وأضاء بالعلم دروبنا، وروى عبقرية العلماء فأثمرت اختراعات وتقدّماً، وقد بين القرآن الكريم والسنة النبوية أهمّية العلم والعلماء في مواضع كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: “يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ”. يعتبر المعلم حجر الزاوية في العملية التربوية والتعليمية؛ فهو من يحمل رسالة العلم رسالة متصلة بالمسؤولية لمن له قدرة على الصبر والعطاء، ليكون كالشجرة في عطائه، يغذّي بها جميع البشر، نظراً لما يقوم به من دور هامّ على مسرح الحياة بمختلف جوانبها ومجالاتها، فهو ليس مجرد ناقل للمعرفة وحسب؛ بل يمتدّ دوره لتنمية قدرات الأجيال وتعزيز الاتجاهات، وتربيتهم تربية صحيحة ليكونوا رجالاً وقدوة يحتذا بهم. إن مهنة المعلم تعتبر من أكبر المهام خطورة وأثراً على المجتمع؛ ذلك أنّ إعداد المعلم للطالب إعداداً علمياً ومسلكياً ووطنياً من الركائز الأساسية التي يبني عليها استقرار المجتمع وتقدّمه ورقيه، ولذلك فالمعلّم له الفضل الأكبر في الحياة فهو من يعلمّ الطلاب كيف يحملون القلم وكيف يقرؤون ويعرفهم بأصول اللغة وتعاليم الإسلام، وهو من يوصلهم إلى درجات الأطباء، والمهندسين، والعلماء وغير ذلك من مجالات الحياة؛ فهو من يبذل جهده من أجل جعل الطلاب ذوي شأن عظيم، وجعلهم يتصفون بالأخلاق الحميدة، وهو من يساهم من أجل انتشار العلم، فاللمعلم شأن عظيم وفضل عظيم فما يقدمه يعلِي ذكره، ويزكي علومه ويعود بالنفع عليه وعلى أمته. إن المعلم هو من يعرف الطلاب تاريخ حضارتهم، وهو من يحمل على عاتقه أمانة العلم للطلاب وإيصالها لهم على الوجه الصحيح وله على ذلك الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، فعلمه الذي يعلمه يبقى جارياً حتى بعد وفاته، فهو كالشمس الذي يضيء الطريق لمن بعده، وهو كالشمعة المضيئة يحترق ويبذل قصارى جهده من أجل غيره، فهو من يخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن الجهل إلى العلم. للمعلم دور كبير في حياتنا من جميع جوانبها، فلذلك لا بدّ من الاعتراف بفضل المعلم وتقديم الاحترام له بالتواضع له والحرص على جعله شامخاً مرفوع الرأس بين الناس؛ فهو مربي الأجيال، وصانع الرجال، ووريث الأنبياء في أسمى رسالة وهي رسالة العلم، ومهما بذلنا من الكلمات لا يمكن الاعتراف بشيء ولو بسيط من فضله علينا.

شاركها.