شكّلت ملحمة الجلاء في السابع عشر من نيسان عام 1946 مصدر الهام ٍ للعديد من الشعراء السوريين والعرب ، فأطلقوا العنان لقوافيهم ينشدون للحرية والاستقلال بعد نضال ٍ مرير خاضه الشعب العربي السوري ضد المحتل الفرنسي الغاشم ، فجاءت قصائدهم معبرة أصدق تعبير عن عظمة البطولات التي خاضها شعبنا ضد المحتل وجبروته ، لقد رحل الاحتلال ورحلت معه كل صور المأساة والقهر والفقر والألم والمعاناة ، رحل المحتل المغتصب وأشرقت شمس الحرية على سورية معلنة ً بداية مرحلة جديدة في تاريخها الحديث والمعاصر .

لقد كُتب الكثير عن الجلاء ونُظمت عشرات بل مئات القصائد عن الجلاء ومعانيه العظيمة ، فكانت روائع الشاعر عمر أبو ريشة ، بدوي الجبل ، نزار قباني ، أحمد شوقي ، بدر الدين الحامد و……وسنتوقف اليوم مع قصيدة خالدة ورائعة لشاعر العاصي بدر الدين الحامد حيث تشكّل تاريخاً خالداً وسفراً مجيداً للملاحم البطولية التي خاضت فيها جماهير الأمة معارك الشرف والبطولة حتى تحقق لها الجلاء العظيم، وأصبح حقيقة ناصعة ً كالشمس وهذا ما عبّرت عنه القصيدة التي نحن ُ بصددها الآن .

يقول الشاعر معبّرا ً عن فرحته بزوال الاحتلال والبغي والمصائب والآلام وعودة البسمة والفرحة إلى ربوع سورية الوطن والإنسان :

بلَغتِ ثأرَكِ لا بغيٌ ولا ذام ُ يا دارُ ثغرُكِ منذ اليومِ بسَّام ُ

 ولّت مصيبَتُكِ الكبرى مُمَزّقةً  وأقلعتْ عن حِمى مروانَ آلامُ

-لقد عانى الشعب العربي السوري من ظلم الاحتلال وغطرسته،وقدّم التضحيات الجسام من خيرة شبابه ، في كل بقعة من ثرى الوطن دم ٌ معطّر ٌ بعبق الشهادة ، لقد قدم السوريون الروح والدم رخيصا ً لدحر المحتل ونيل الحرية والاستقلال ، فلا ظلم ٌ،ولا جُورٌ بعد اليوم..

لقد طال ليل الاحتلال ليزيد على ربع قرن ذاق خلالها المحتل مرارة الهزيمة والانكسار وتكبد خسائر فادحة في المعدات والأرواح وأيقن أن شعباً تربّى على الشهادة والغيرية والوطنية والتضحية في سبيل الوطن سينتصر طال الزمان أم قصُر ، وقد عبر شاعر العاصي عن ذلك بقوله : هذا الترابُ دمٌ بالدّمعِ ممتزجٌ    تهبُّ منه على الأجيالِ أنسامُ

لو تنطق الأرضُ قالت : إنني جدَثٌ فيَّ الميامينُ آسادُ الحمى ناموا

ستٌّ وعشرونَ مرّت كلما فرغتْ جامٌ من اليأسِ صِرفاً أترعَتْ جامُ

ويبيّن ُ الشاعر أن صبر الشام ( سورية ( على مصيبة الاحتلال وتبعاته فاق كل ّ تصور ، لأن ّ الشام ) سورية ) تؤمن بشعبها وبحقها بالمقاومة والكفاح والنضال ضد المستعمر الغاشم ، هذا النضال توّج بالنصر المؤزر المعمّد بدماء الشهداء وتضحياتهم ، فالجلاء غرّة الزمان ، هو يوم ٌ ليس كباقي الأيام ، هو الدنيا مجتمعة ، هو الفرحة الكبرى ، هو البهجة التي لا تحدّها حدود :

يومُ الجلاءِ هو الدنيا وزينتُها لنا ابتهاجٌ وللباغين إرغامُ

لولا اليقينُ ولولا اللهُ ما صبرتْ  على النّوائبِ في أحداثها الشّام

اندحر الاحتلال يلمُّ خلفه ذيول الهزيمة والانكسار ، واليوم يرفرف علم الحرية والاستقلال ، لقد جلت فرنسا عن أرض سورية ، يقول الشاعر مخاطبا ً بطل ميسلون الشهيد يوسف العظمة الذي سطر ورفاقه في الجيش العربي السوري أروع الملاحم البطولية ورسم طريق المقاومة لكل الشعوب الحرّة :

 ياراقداً في روابي (ميسلونَ( أفِقْ جلتْ فرنسا فما في الدّارِ هضَّامُ

لقدْ ثأرنا وألقينا السّوادَ وإنْ مرَّتْ على الليثِ أيّامٌ وأعوامُ

ويؤكد الشاعر أنّ سورية كانت وما تزال منبع الصدق والكرامة ، بوابة الحضارة والتاريخ ، على أرضها كُتبت البطولات وقدّم أبناؤها أنبل وأعز ّ التضحيات ، على أسوارها دحرَ الغزاة وانهزموا ، هي سورية وطن الشمس يتربّع المجد فوق هامتها لأنها دائماً وأبداً سورية المجد والحرية والاستقلال …

مهدُ الكرامةِ عينُ اللهِ تكلؤها  كم في ثراها انطوى ناسٌ وأقوامُ

تجرُّ ذيلَ التّعالي في مرابعِها   المجدُ طوعٌ لنا والدهرُ خدّامُ

لقد هُزم َ الغزاة في كل بقعة من أرض الوطن ، في جبال الساحل ، وجبل الزاوية وغوطة دمشق وجبل العرب وحماة ودير الزور وفي كل المناطق السورية ، اشتعلت ثورات الحرية والاستقلال لتحقق الجلاء العظيم بالإمكانيات المتاحة والمتواضعة ، لكنها الإرادة والإيمان بالنصر صنعا فجر الجلاء في السابع عشر من نيسان عام 1946 .

قادرة اليوم عل صنع نصر جديد تدحر فيه الفكر الظلامي التكفيري الوهابي وتعيد رسم وجهها المشرق ، لأنها تؤمن أن وطنا ً يتسابق أبناؤه لنيل شرف الشهادة  لن تستطيع قوة في الدنيا أن تفرض عليه الاستسلام أبدا ً

شاركها.