في كل عام من غرة شهر محرم يحتفل المسلمون بعيد رأس السنة الجديد، والذي هو بداية عام هجري جديد، وهو التقويم الذي بدأ العمل به اعتمادًا على هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي كانت البداية لبناء المجتمع المسلم، وقيام الدولة الإسلامية، وإنشاء النواة الأولى لها في المدينة المنورة، لكن قد يتساءل البعض عن الحكم الشرعي للتهنئة بعيد رأس السنة الجديد، وهل يجوز ذلك أم لا يجوز شرعًا، وهل في الأمر سعة وخلاف أم أن هناك نص قاطع بالتحريم، وهو ما نحاول التعرف عليه فيما يلي.

الحكم الشرعي للتهنئة بعيد رأس السنة الجديد

  • هل يجوز التهنئة بعيد رأس السنة الهجرية الجديدة بأن يقول المسلم لأخيه كل عام وأنت بخير، أو مبارك العام الجديد، أو جعله الله عام خير وبركة، أم أن هذه التهنئة محظورة ؟ في الحقيقة لم يرد نص من السلف في هذه المسألة، لذلك فقد اختار طائفة من العلماء ألا نبتدأ بالتهنئة بالعام الهجري الجديد، لكن إذا هنأنا مسلم بها فنرد عليه التهنئة بمثلها، ولا ننكر عليه.
  • فقد سُئل الإمام ابن باز رحمه الله في هذه المسألة، وهي هل يجوز التهنئة بعيد رأس السنة الهجرية الجديدة فأجاب رحمه الله قائلاً أن التهنئة بالعام الهجري الجديد لم يرد بها نص عن أحد من السلف رضوان الله عليهم، وأنه لا يعلم من الكتاب والسنة ما يدعم شرعية هذه التهنئة، لكن من بدأك بالتهنئة فلا بأس أن ترد عليه وتقول وأنت كذلك، أو قال لك كل عام وأنت بخير فيجوز لك أن تقول له وأنت بخير.[1]
  • ولما سُئل الإمام ابن عثيمين رحمه الله عن نفس المسألة وهل يجوز التهنئة بقدوم رأس السنة الهجرية الجديدة أجاب بما يقارب نفس إجابة الشيخ ابن باز رحمه الله فقال ما مفاده أن من هنأك بالعام الجديد فرد عليه وهنأه، فيقول لك هنأك الله بالسنة الجديدة، فلا بأس من الرد عليه بأن تقول وهنأك الله بالخير وجعله عام خير وبركة، لكن لا نبتدئ أحد بالتهنئة، حيث لا يعمل أحد من السلف كان يهنئ أخاه بقدوم السنة الهجرية الجديدة.
  • وللشيخ عبد الكريم الخضير رأي موافق لذلك وهو يرى أن التهنئة من باب الدعاء للمسلم بالخير، وتبشيره بالبركة، خاصة إذا كانت هذه التهنئة من باب الود والسرور، والتقرب من المسلم، وإظهار الحب له، فلا شئ فيها بإذن الله.

اقرأ كذلك: مقدمة جميلة عن السنة الهجرية 1440/ كلمة عن رأس السنة الهجرية،حكمة عن العام الجديد

الرأي الفقهي القائل بالمنع

لكن هناك رأي آخر يراه طائفة من أهل العلم وهو أن التهنئة بالعام الهجري الجديد لا تجوز، لأنه لم يسبق إليها أحد من السلف، وأن التهنئة بعيد رأس السنة الهجرية فيه تشبه بالنصارى الذين يحتفلون بعيد الميلاد، والمجوس الذين يحتفلون بأعياد النيروز والربيع، فإذا فتحنا الباب على مصراعيه كان ذلك سببًا لدخول البدع كما دخلت على الشرائع الفاسدة الأخرى، لذلك كان المنع أولى من القول بالجواز.

بداية التقويم الهجري في الإسلام

كان العرب قبل الإسلام لا يتعاملون في تواريخهم بالسنين مثل الرومان أو الفرس، بل كانوا يعتمدون في التقويم على الشهر القمري، والحوادث التي تقع، مثل القول بأن هذا الحادث الفلاني وقع في شهر محرم بعد عام الفيل مثلًا، أو أن حادث وقع بعد معركة ذي قار، وهكذا.

فلما كانت خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبالتحديد بعد الهجرة النبوية الشريفة بسبعة عشر عام في العام 17 هـ، ورد إلى سيدنا أبو موسى الأشعري والذي كان واليًا لعمر رضي الله عنه، ورد عليه كتاب مؤرخ بشعبان، فأرسل أبو موسى رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين يسأله، ويقول له إن الكتب تأتي إليه مؤرخة بشعبان أو شوال، ولا يعرف أي شعبان هو؟ هل شعبان العام الحالي أم السابق؟

فجمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابة يستشيرهم في الأمر، وكيف يضعون تأريخ يعرفوا منه الأيام والأحداث، فاقترح بعض الصحابة أن يكون التأريخ بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، واقترح البعض الآخر أن يبدأ التقويم بتاريخ وفاته عليه الصلاة والسلام، لكن كان الرأي الراجع الذي ارتضاه الصحابة أن يكون التقويم بداية من الهجرة إلى المدينة المنورة، واستشار عمر رضي الله عنه سيدنا على بن أبي طالب، وسيدنا عثمان بن عفان فكان رأيهما من رأيه رضي الله عنهم، وكان بداية التقويم بالهجرة في عام 622 م.

لماذا التقويم بالهجرة ؟

قد يتساءل البعض لماذا التقويم يكون بدايته بالهجرة إلى المدينة المنورة، وقد أجاب سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه على ذلك بإن الهجرة قد فرقت بين الحق والباطل، فبها يبدأ التقويم.

وبداية الهجرة هي بداية بناء الدولة المسلمة، وقيام المجتمع المسلم في المدينة المنورة، وبداية تطبيق أحكام الله، وخضوع الجميع لها، بعد أن كان المسلمون في مكة قبل الهجرة يستخفون بإسلامهم، ويخافون من كفار قريش، لكن بعد الهجرة أصبح للمسلمين دار يؤوون إليها، ومدينة تكونت فيها النواة الأولى للجيوش الإسلامية، ومنها عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم العقود، ووضع الحدود والتشريعات، فكانت الفاتحة للدولة الإسلامية الكبرى بعد ذلك.

ولعل الصحابة رضوان الله عليهم كرهوا بداية التقويم بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم أو فاته، حتى لا يكون في ذلك تشبه بالنصارى الذين بدأ التاريخ الميلادي عندهم بمولد سيدنا عيسى عليه السلام، فلعلهم أرادوا مخالفتهم في ذلك.

اقرأ كذلك: عبارات عن السنة الهجرية للاذاعة 1440 , كلمة صباحية عن العام الجديد , حكمة اليوم

هل يجوز التهنئة بعيد رأس السنة الميلادية ؟

التهنئة بعيد رأس السنة الميلادية لا يجوز بالاتفاق، بل يعد من أكبر الكبائر، والذنوب العظيمة، لأن التهنئة للنصارى بعيد الميلاد فيه إقرار بعقيدتهم الباطلة، وضلالهم في عيسى بن مريم عليه السلام، فهم يعتقدون أن بوم عيد الميلاد أو رأس السنة الميلادية هو تاريخ ميلاد الإله في زعمهم، وقد قال ابن القيم رحمه الله أن ارتكاب جميع الموبقات من خمر أو زنا أو سرقة أهون من تهنئة النصارى في عيدهم، لأن هذه الذنوب هي معاصي يتوب العبد منها فيتوب الله عليه، لكن تهنئة النصارى بأعيادهم هم شرك وكفر، والكفر أعظم من الكبائر.

معاني الشهور العربية

تتكون السنة الهجرية من اثني عشر شهر قمري، والسنة القمرية تساوي 354 يوم على التقريب، والشهر القمري إما يكون 29 يوم أو 30 يوم ولا يزيد عن ذلك، وللشهور العربية معاني نتعرف عليها فيما يلي:

  • محرم: سمي المحرم بهذا الاسم لأن العرب قبل الاسلام كانوا يحرمون فيه القتال، وهو من الأشهر الحرم التي يلقي فيها الرجل قاتل أبيه فلا يقتله لحرمتها.
  • صفر: تم تسمية شهر صفر بهذا الاسم لأن البيوت في هذا الشهر كانت تصفر من ساكنيها، أي تخلو من ساكنيها الذين كانوا يخرجون إلى الحرب بعد انتهاء شهر محرم.
  • ربيع أول: سمي الشهر بربيع أول لدخول الربيع في هذا الشهر واعتدال الجو فيه.
  • ربيع الآخر: وسمي هذا الشهر بريع الآخر لأنه يتبع الشهر الذي قبله، فلا يزال الربيع قائمًا.
  • جمادى الأولى: تم تسمية الشهر باسم جمادى أول لدخول الشتاء والبرد الشديد، حتى كانت تتجمد المياه فيه.
  • جمادى الآخرة: وكذلك جمادى الثاني أو الآخر كان لا يزال الشتاء قائمًا، فسُمي الشهر على اسمه.
  • رجب: تم تسمية رجب بهذا الاسم من رجب الشئ أي عظمه، فكانت العرب تعظم هذا الشهر في الجاهلية، وهو من الأشهر الحرم، وقيل بل تسمى الشهر برجب لأن العرب كانت ترجب الرماح من أسنتها أي تزيل الأسنة من الرماح فلا يقع قتال في الشهر الحرام.
  • شعبان: من التشعب لأن الناس كانت تتشعب فيه في البوادي والأودية طلبًا للمال، وقيل كانت العرب في هذا الشهر تتشعب طلبًا للحرب والقتال بعد قعودها في شهر رجب.
  • رمضان: سُمي رمضان بهذا الاسم من الرمضاء وهو شدة الحر، حيث يقال رمضت الحجارة أي اشتدت حرارتها، وقد تم تسمية هذا الشهر بهذا الاسم لانه جاء في شدة الحر عند بداية إطلاق هذه الأسماء على الشهور في القديم.
  • شوال: وذلك بسبب شولان الإبل فيه بأذنابها، أي أنها تقلص أذنابها في بسبب حملها وقلة ألبانها.
  • ذو القعدة: وتم تسمية شهر ذو القعدة بهذا الاسم لأن العرب كانت تقعد فيه عن الحرب والإغارة، فلا تقوم بحرب لأنه من الأشهر الحروم المعظمة عند العرب.
  • ذو الحجة: وهو الشهر الذي يتم فيه الحج، وزيارة البيت الحرام، وتأدية المناسك.

اقرأ كذلك: أجدد صور تهنئة بالعام الهجري الجديد

نكون على ذلك قد تعرفنا على الحكم الشرعي للتهنئة بعيد رأس السنة الجديد، وأقوال العلماء فيه، كما تعرفنا على التقويم بالهجرة لماذا ؟ ومن أول من وضع التقويم الهجري، وعرضنا للشهور العربية ومعاني أسمائها، وحكم التهنئة بالعام الميلادي.

المراجع[+]

شاركها.