كيفية الخشوع في الصلاة

 الخشوع في الصلاة

لو لم يكن للخشوع في الصلاة إلا فضل الانكسار بين يدي الله،وإظهار الذل والمسكنة له ,لكفى بذلك فضلاً ،وذلك لأن الله جل جلاله إنما خلقنا للعبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وأفضل العبادات ما كان فيها الانكسار والذل الذي هو سرها ولبها.ولا يتحقق ذلك إلا بالخشوع .وذلك فقد امتداح الله جل وعلا الخاشعين في آيات كثيرةقال تعالى  {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } [الإسراء109].وقال سبحانه { َإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } [البقرة45].وجعل سبحانه وتعالى الخشوع من صفه أهل الفلاح من المؤمنين فقال{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }[المؤمنون1-2].وقال{وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء 90].

 أسباب خشوع القلب 

  • تدبر قراءة القرآن وتذوق حلاوته و الوقوف على معانيه قال تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ}, فكان للين القلوب وزوال  قساوتها وطمأنينتها وسكونها أثر مباشر في تدبير آياته وإعظام كتابه وقد قبح الله من للا يخشع قلبه لسماع كلامه وتدبره .
  • يتحقق خشوع القلب بفراغه من غير ما هو ملابس له من فعل الصلاة و متكلم به من ذكرها و قولها فيكون الفكر مقترنا بالفعل والقول ولا يكون جائلا في غيرهما أثناء الصلاة لقول عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول الا انفتل وهو كيوم ولدته أمه }.
  • كما يتحقق ذلك بمراقبة العبد لربه في الحركات و السكنات لقربه سبحانه منه واطلاعه على سره وضميره المقتضي للاستحياء منه تعالى و مطالععته لكمال ربه و جماله المقتضي للاستغراق في محبته والشوق الى لقائه ورؤيته و الخوف من شدة بطشه وانتقامه وعقابه.

وتفاوت الخشوع في القلوب يكون بتفاوت معرفتها للخالق تبارك و تعالى فمن كان بالله أعرف كان لربه ومولاه أتقى وأخشع .

 مظاهر خشوع الجوارح 

  • الطمأنينة الكاملة في كل ركن من أركان الصلاة وتحصل بتسكين الجوارح حتى تطمئن المفاصل و يستقر كل عضو في مقره فأشد الناس سرقة و أكثرهم مكرا واحتتيالا هذا النقار المختلس في رركوعه وسجوده المفتقد لطمأنينتها وخشوعها فهذا ليس له حظ في صلاتهه للقوله صلى الله عليه وسلم {من  صلى الصلوات لوقتها وأسبغ لها وضوءها وأتم لها قيامها وخشوعها وركوعها وسجودها خرجت وهي بيضاء مسفرة تقول حفظك الله كما حفظتني ومن صلاها لغير وقتها ولم يسبغ لها وضوءها ولم يتم لها خشوعها ولا ركوعها ولا سجودها خرجت وهي سوداء مظلمة تقول ضيعك الله كما ضيعتني}.
  • أن يجعل المصلي نظره محل سجود وألا يختلس الالتفات يمنة أو يسرة فخشوع البصر أن يكون في موضع السجود ورفعه الى السماء منهى عنه كما في صحيح الحديث والنظر الى ما يلهي  فيه الكراهة وتغميض العينين من غير عذر مخالف لهدي السنة والالتفات الى غير القبلة مبطل للصلاة .
  • سكون اليدين وبعدهما عن العبث بالثوب أو الجسد بغير غرض مشروع و وضعهما على الصدر لاتفاق جمهور العلماء على أن وضع اليدين  ععلى هذا النحوأمنع من العبث وأقرب الى الخشوع لما رواه أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يحركن الحصى }.
  • كما يقتضي كمال الخشوع ألا ييدخل المصلي الى الصلاة وهويدافع الأخبثين لتعلق قلبه من ذلك بما يشوش عليه مقصود الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم { لا يصلي بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان }.

حكم الخشوع في الصلاة

اتفق جمهور العلماء على أن الخشوع من مكملات الصلاة إلا الغزالي الذي انفرد بقوله إنه من أركانها وقال آخرون بشرطيته لحصول الثواب لا في الصحة و الإجزاء وحكى النووي  الإجماع  على أن الخشوع ليس بواجب وأنكر ابن المنير إطلاق الفرضية عليه وقال الصواب أن عدم الخشوع تابع لما يظهر عنه من الآثار وهو أمر متفاوت فإن أثر نقصا في الواجبات كان حرما وكان االخشوع واجبا وإلا فلا لحديث عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله}.

والناس في صلاتهم مختلفون في حصول الثواب على حسب أحوالهم في االخشوع فمنهم من يحصل على ثوابها كاملا ومنهم من لايحصل الا على عشرها أو تسعها أو ثمنها وهكذا لحديث عمار بن ياسر {نَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِتُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا} فرجل فرط في صلاته وضيع حقوقها وحدودها وخشوعها لا يستوي في ثوابه وجزائه وحاضر القلب المقبل على الله عز وجل فبين صلاتيهما كما بين السماء و الأرض لما ورد {إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض} ذلك لان أحدهما أقبل على ربه بقلبه وقالبه وقد علم أنه قام في أعظم مقام وأقربه إليه و أغيظه للشيطان الذي يحرص على أن لا يقيمه فيه فلا يستطيع اقتناص شيء من صلاته ولا أن يصل بوسوسته الى فكره , أما الآخر فهو صاحب القلب الغافل الساهي الذي يقوم الى صلاته وبينه وبين ربه حجاب الوساوس و الشهوات فيكون اختراق الشيطان لهذا القلب دون معاناة فينسيه ويلههيه ويجلب عليه ما يفسد صلاته ويذكره ففيها بما كان قد نسيه خارجها فيلبس عليه صلاته ويبعده عن ساحة مولاه فيققوم في صلاته بلا قلب فلا ينال من إقبال الله وكرامته وقربه ورحمته مايناله المقبل على ربه المستحضر لعظمته وجلاله فينصرف منها مثلما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله وكما ذكر ابن القيم في الوابل الصيب فإن الناس وهم في الصلاة ينقسمون الى خمسة أقسام

  1. من قام الى الصلاة ففانتقص من وضوئها و مواقيتها و حدودها و أركانها وخشوعها.
  2. ممن حافظ على مواقيتها وأركانها الظاهرة لكنه ضيع نفسه في الوسوسة وذهب مع أفكاره بعيدا عن الصلاة.
  3. من حاافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس فهو مشغول بمجاهدة هذا اللص الذي يريد أن يسرق صلاته فكان في صلاة وفي مجاهدة .
  4. من قام الى الصلاة فأكمل حقوقها وأركانها وخشوعها وصرف همه كله الى إقامتها و المحافظة عليها .
  5. من قام الى الصلاة كذلك فأكملها و أقامها على الوجه الذي ينبغي لكنه بالاضافة الى ذلك أخذ قلبه وفكره وجوارحه ووضعها بين يدي مولاه ناظرا اليه بقلب ممتلئا بمحبته و تعظيمه كأنه يشاهده ويراه بعدما اضمحلت عنه الوساوس و الأفكار .

المصلي بين وسوسة الشيطان ويقين الإيمان

ولقد ذكر القرآن الكريم أن تسلط الشيطان وسيطرته على ابن آدم وتلبيسه ععليه أمر دينهه يكون بواحدة من ثلاث

  1. الوسوسة .
  2. الهمزة.
  3. النزغ

وكلها في معناها  من الشيطان سواء ( فالوسوسة ) تعني حديث النفس والشيطان وأخذ بالوهم يقال وسوست إليه نفسه  وسوسة و وسواسا ورجل موسوس بكسر الواو ومثله كهذا الذي يحكم بنجاسة الشيء من غير علامة تعارض أصل طهارته فيغسل االثوب لمجرد سقوط رذاذ الماء عليه فهو يتخيل مالم يكن كائنا ثم يحكم بحصوله وهو بعكس الشك الذي يكون له أصل ينبني عليه ومثار يدعو إليه وهو الذي يطلب عنده الاحتياط والأخذ باليقين .

فإذا أحس المصلي بوسوسة الشيطان وهو يصلي شرع له أن يتعوذ بالله منه وأن يتفل عن يساره ثلاثا، والتفل هنا معناه النفث، وهو إخراج ريح الهواء من الفم مع شيء من الريق، ويكون هذا حين الإحساس بالوسواس، ويقول بصوت خافت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لما رواه مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا. قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.

زر الذهاب إلى الأعلى